عندما رأيت الكتاب لأول مرة ... اعطاني انطباعا بكونه سيكون عملا بسيطا .. فهو العمل الاول للكاتبات الأربعة .. والخبرة المطبوعة الأولى لهن ...
ولكنني - من وجهة نظر علم الادب - كنت مخطئا ..
فالقيمة الادبية للكتاب جاءت أعلى مما توقعت .. بل و أعلى بكثير من العديد من كتابات الكتاب الشباب الذين نُشر لهم في ذات الفترة ..
كانت لي الفرصة عبر السنوات السابقة أن اتابع بعضا من أعمال الكاتبات .. من خلال مدوناتهن .. او مشاركاتهن في المنتديات المختلفة .. وقد ساعد هذا كثيرا على قياس التقدم الواضح والذي ظهر بجلاء شديد في كتاباتهن التي تراوحت فترات كتابتها بين أيام و سنوات ..
بشكل عام الكتاب عبارة عن مجموعة من الخواطر .. اقرب الى الرسائل الموجهة الى آدم ... في مواقف عديدة .. وليس نوعا من الكراهية او النقد الموجه إليه كما قد يبدو من العنوان ..
خواطر كثيرها رائعة و شديدة الرقة و الشفافية ..
استخدمت كل كاتبة اسلوبا ادبيا مختلفا ... لكن كان استخدام صيغة المتكلم سائدا في غالبية خواطرهن .. وبالتالي استخدمن صيغة المخاطبة لآدم ..
واحيانا استخدمن طريقة الضمير الثالث ...
من عوامل جودة الكتاب أدبيا ... ان الكاتبات الأربعة استطعن - بتمكن مدهش - اجادة عدد غير قليل من المهارات و الجماليات الأدبية .. كما سنرى ..
ومن الجيد ان تم هذا بشكل عفوي ... وهذا - من وجهة الأدبية - واحد من معايير الاجادة التي تستخدم عند تقييم الاعمال الأدبية .. والكاتب ككل ...
الخلاصة الأدبية بكل بساطة ان عفوية الكاتبات الأربعة في مجرد الاستخدام البسيط للغة بسيطة بشكل فطري ... أسفرت عن محاولات مهارية جادة و جيدة وكثيرا ناجحة ...
الأمر أشبه بمن يرسم لأول مرة في حياته ... من المستحيل ان تكون اللوحة جميلة لأن الرسام لم يعرف بعد كيف ينقل احساسه الينا عبر اللوحة .. والألوان .. انما تكرار الرسم يصقل الخبرة ... ويجعل الأمر اسهل ...
الكاتبات الأربعة رسمن لوحات جميلة حقا ... ومن المرة الأولى ..
لا احبذ ابدا فكرة انتقاد كل كاتبة على حدة ... فالكتاب كاملا اروع من ان ينظ أليه على أجزاء ... واشمل من ان يتم تذوقه منفصلا ..
لكن لاتمكن من سرد جماليات الكتاب من وجهة النظر الأدبية اجد نفسي مضطرا لذلك ..
الكاتبة / فاطمة احمد هميسة :
يبدو أن اختيار اسم ( فاطمة ) جاء مناسبا للكاتبة ال ( حالمة ) ..
فاطمة تمتلك موهبة أدبية نادرة نسبيا ... تذكرنا بموهبة الملك ( ميداس ) الشهيرة ... وهي أنه يحول كل شيء يلمسه الى ذهب ...!!
تمتلك فاطمة اللمسة الادبية الجميلة في الكتابة ... ولا اقصد بها جميل الكلمات و انما يقصد بها ادبيا بشكل مبسط : ( اضفاء الجمال على كل ما يراه القاريء ) ... فما معنى هذا ؟؟
كتبت فاطمة عن الحب ... عن القسوة ... عن السعادة ... عن التعاسه ... مشاعر متباينة أيضا من وجهة نظر حواء واحدة ... لكن من المدهش انها نجحت في تجعل كل هذا " جميلا " ... وان كان جميلا ازداد جمالا ..!!
بمعنى اخر جعلتنا نشعل بجمال الحب ... وجمال ان " نتعذب " من اجل من نحب ... جمال ان نكون سعداء .... ان نفهم الجمال حتى و نحن تعساء ..
يرى النقاد ان هذا النوع من المهارة الأدبية شديد الندرة بين الكتاب الشباب ... بل وفي طريقها للانقراض على الأرجح ... فجيل الكتاب الشباب يتجه فكريا للكتابات ذات البعد الفكري الواحد ... او كما يقال في التعبير العامي الشائع : ( ابيض او اسود ) ..
لكن فاطمة تفوقت بالفعل .. عندما اجادت وصف الكثير من الاحاسيس المشتركة ... ومنها ما يمكن ان يقال عنه : " القبح الجميل " .... " التعاسة السعيدة " .. والعديد مما لا يتسع لذكره هنا ..
استطاعت ان تكون سمات اسلوبها الأدبي .. واختارت لونا مميزا نادرا له ..
واكرر ان هذه المهارة نادرة جدا ... واتقانها شيء في منتهى الصعوبة ...
الكاتبة / دينا يسري :
كانت الأكثر تلونا في كتاباتها ... والأكثر تنوعا في تناولها للمشاعر المختلفة .. فتارة هي حواء تحمل الوردة تنتظر ... واحيانا هي ثائرة غاضبة متمردة ... تارة حزينة كسماء الخريف ... وتارة أخرى هي سعادة عصفور ... او عصفور السعادة ..
بلهجة أدبية صرفة .. نجد ان قوالب الشخصيات التي استخدمتها الكاتبة كثيرة جدا .. وادبيا هذا شيء في غاية الصعوبة ...
فالكتاب الشباب عادة ما يستخدمون قالبا ادبيا لشخصية واحدة فقط .. ويعمدون الى تغيير بعض ملامحها لتناسب العمل التي تظهر فيه .. فيقعون في خطأ التشابه بين ابطال اعمالهم وان بدا لهم انهم مختلفون ...
أعني بكل بساطة ان اسلوب الكاتبة جاء اقرب الى حواء عاشت اكثر من حياة ....
انصح الكاتبة ان تحاول ان تكتب اعمالا بها العديد من الشخصيات ... اعنى اعمالا اكثر تعقيدا من الخواطر احادية الشخصيات و الاحداث فقط ... قصصا او اعمالا روائية ... فموهبتها لا غبار عليها ...
الكاتبة / نعمة ناصر :
الاكثر براعة وتمكنا وخبرة في فن استخدام الكلمات ...
امتلأت خواطر نعمة بالكثير جدا من المحسنات البديعية .. والصور التشبيهية .. وفنون البلاغة المختلفة على اختلاف انواعها ...
ان الناقد المدقق سيجد عددا غير قليل من العلامات التي تدل على تمرس نعمة الشديد في استخدام الكلمات ... والذي يشي بكونها تحمل ملامح شاعرة لا جدال فيها ..
اذكر ان قرأت لها كثيرا من الخواطر ... بالفصحى و كذلك العامية ...
ولذلك جاءت خواطر نعمة موسيقية موزونة ادبيا ... مليئة بالموسيقى الداخلية الملازمة عادة لكلمات من اعتادوا كتابة سجع الخواطر ...
بل و ايضا تبدو علامات الخبرة و النضج الادبي بارزة في كتاباتها .. التي قطعا تعرضت للكثير من النقد من الكاتبة نفسها .. او المحيطين بها من قراء و شعراء و امثلة استقت منهم كلماتها
بذلك تنافس ( ريهام ) على لقب ( الأكثر خبرة ) ..
الكاتبة / ريهام زينهم :
يبدو انها اقدم من امسك القلم و خط الخواطر بين الكاتبات الاربعة ..
فمن العجيب ايضا .. ان تحديد عمرها الأدبي يكاد يكون مستحيلا من وجهة نظر علم الأدب ..
فتحديد العمر الأدبي لكل كاتب بشكل عام يكون من خلال رصد اسلوب الكتابة ... والفكرة العامة لما يكتب .. والايديولوجية ...وخلافه مما ليس موضوعنا ..
لكن النقاد يتحدثون عن مقدرة ادبية لا تكتسب ... انما يؤمنون بكونها لدى بعض الكتاب منذ البداية ... وتشكل جزءا لا يتجزأ من الموهبة ...
هذه المقدرة الأدبية يمكن ان تسمى " التقمص " .. وهي احدى وسائل تحديد العمر الادبي للكاتب ..
ساضرب مثلا سريعا لتوضيح هذه المهارة .. فاقول : لو طلبنا من كاتب كبير .. ان يكتب خطابا عاطفيا عن لسان طفل مراهق ...
يبدو هذا شيئا في منتهى السهولة ... لكنه ادبيا - على النقيض تماما - في منتهى الصعوبة ..
يحتاج هذا الكاتب الى ان يمتلك قلب طفل ... عقل طفل ... يدي طفل تكتبان كلمات طفولية نابعة من عقل طفل .. بلا فذلكة ادبية او تعبيرات معقدة ..
يحتاج ان يمتلك براءة طفل ...
من المدهش ان القارىء المدقق لكتابات ريهام سيجد عددا من الكتابات للطفلة حواء .. بكل براءتها و بساطتها ... ولربما يسارع بالحكم على اسلوبها الادبي بالطفولية و عدم النضج ..
لكن ان انتظر قليلا .. سيجد كتابات اخرى لحواء الناضجة التي خبرت الحياة و خبرتها الحياة ..
ربما تتضح مهارة " التقمص " اكثر بمثل سينمائي شهير يتمثل في السيندريلا " سعاد حسني " التي ادت في فيلم واحد دور طفلة و دور ناضجة بشكل اقنع النقاد قبل الجمهور ... بينما نجد من الصعوبة ان تؤدي الدورين ممثلة من وزن " فاتن حمامة " مثلا ..
فاتن حمامة قطعا اقدر تمثيليا من سعاد حسني ... لكنها لا تمتلك " التقمص " ...
ريهام تملك تلك الموهبة التي لا تكتسب ... وتستخدمها بمهارة عجيبة ... فبعض من خواطرها بلا جدال هي خواطر مراهقة اقرب الى الطفولة .. يمكن ان تكون قد كتبتها في مرحلة مبكرة من عمرها ..
لكن البعض الاخر هو خواطر امرأة ناضجة رأت من الحياة اقسى ما يمكن ان تراه ..
ببساطة نجد ان ريهام هي حواء في كل جمالها لو جاز التعبير .. حواء الطفلة ... حواء المراهقة ... حواء الناضجة ..
عيوب الكتاب قليلة جدا بالنسبة لكونه العمل الأول ... وان كان هناك ما ينقصه من وجهة النظر الأدبية ...فهي الاحترافية .. الخبرة ..
ان عظماء الكتاب يحكون دوما عن انهم لم يكتبوا الروائع بين يوم و ليلة .. بل ان طريق الكتابة بدأ دوما بعمل واحد ... يمهد الطريق للروائع ..
وكثير منهم من وصف كتاباته الاولى في عدم رضا .. بالبساطة
لذلك ارى ان اروع ما لدى الكاتبات الاربعة لم يظهر بعد ... ولم يظهرن كل براعتهن بعد ... انما هذا الكتاب يمثل فقط الخطوة الاولى في طريق الكتابة الطويل ... والشاق ..
لذلك اتمنى ان يكتبن اكثر ... وبعد ان يفرغن من الكتابة يبدأن بالكتابة ثانية .. و لا يتوقفن مهما كانت العقبات و الاحباطات ..
لانهن بالفعل يمتلكن مقومات الكاتب الجيد ..
شكرا للكاتبات الاربع على العمل الجيد ... واسف للاستطراد ....
مهند محمود
8 / 4 / 2009